
الكساد الكبير (Great Depression) لم يكن مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل كان زلزالًا هز العالم بأسره بين عامي 1929 و1939. إنهارت أسواق المال، أغلقت آلاف البنوك، توقفت المصانع، وتشرد الملايين. في أمريكا وحدها وصل معدل البطالة عام 1933 إلى 25% من القوة العاملة، أي واحد من كل أربعة بلا عمل. لم تقف الكارثة عند الولايات المتحدة، بل امتدت آثارها إلى أوروبا، آسيا، وأمريكا اللاتينية، لتغير مسار القرن العشرين بأكمله. فما الذي أدى إلى هذه الأزمة الطاحنة؟ وكيف تعامل العالم معها؟ وما هي الدروس التي خرجت منها البشرية؟

العالم قبل العاصفة: العشرينات الهادرة
بعد الحرب العالمية الأولى، شهد الاقتصاد الأمريكي طفرة عُرفت باسم “العشرينات الهادرة” (Roaring Twenties). الإنتاج الصناعي كان في أوجه، السيارات والأجهزة المنزلية اجتاحت الأسواق، والائتمان السهل فتح الباب أمام ملايين المستهلكين.

لكن خلف هذا الازدهار كان هناك خلل واضح:
فائض الإنتاج: المصانع أنتجت أكثر مما يستطيع الناس شراءه.
تفاوت توزيع الثروة: القلة من الأغنياء استأثروا بالنصيب الأكبر، بينما الغالبية لم تكن قادرة على الإنفاق.
فقاعة وول ستريت: ملايين دخلوا سوق الأسهم في مضاربة محمومة، كثير منهم بأموال مقترضة.
قيود قاعدة الذهب: نظام مالي جامد كبّل قدرة الدول على مواجهة أي أزمة مفاجئة.
كل هذه العوامل كوّنت قنبلة موقوتة انفجرت في خريف 1929.
الانهيار: خريف 1929 – شرارة الكارثة

بورصة نيويورك تتصدر المشهد
في الخميس الأسود 24 أكتوبر 1929، انهارت أسعار الأسهم في بورصة نيويورك بشكل غير مسبوق. تلاه الاثنين الأسود والثلاثاء الأسود حيث فقدت الأسواق ثلث قيمتها في أيام قليلة. انهارت ثروات المستثمرين، وتبخر رأس المال، وبدأ الذعر يسيطر على الجميع.
لم يقتصر الأمر على البورصة:
انهارت آلاف البنوك بعد سحب المودعين أموالهم.
انكمش المعروض النقدي، وانهارت الأسعار بما يقارب 30%.
تهاوت التجارة الدولية نتيجة سياسات حمائية كتعريفة سموت-هاولي.
أمريكا في قلب العاصفة

عام 1932 كان الأسوأ في التاريخ الاقتصادي الأمريكي:
الناتج المحلي انكمش بنحو 30%.
الإنتاج الصناعي هبط قرابة 47%.
البطالة وصلت إلى 13 مليون شخص (25% من القوة العاملة).
انتشرت مدن الصفيح المسماة “هوفرفيل” تيمنًا بالرئيس هربرت هوفر الذي اتُّهم بالعجز. حاول هوفر التدخل بمبادرات محدودة، لكنها لم تكن كافية أمام حجم الكارثة.
عام 1933 جاء الرئيس فرانكلين روزفلت ببرنامجه الشهير الصفقة الجديدة (New Deal)، فأعلن عطلة مصرفية لإيقاف الانهيار، وأطلق مشروعات ضخمة لتشغيل العاطلين، وأسس الضمان الاجتماعي والتأمين على الودائع. هذه الإجراءات أعادت بعض الثقة وبدأ الاقتصاد بالتعافي تدريجيًا.
الكساد الكبير أزمة عالمية

لم تكن أمريكا وحدها في عين العاصفة:
أوروبا: ألمانيا عانت بطالة 30%، وهو ما مهد لصعود هتلر والنازية. بريطانيا خرجت مبكرًا من قاعدة الذهب وبدأت تعافيًا بطيئًا، بينما ظلت فرنسا متأثرة حتى أواخر الثلاثينات.
آسيا: اليابان خرجت سريعًا من الأزمة بعد التخلي عن الذهب وخفض عملتها، لكنها اتجهت نحو التصنيع العسكري. الصين والهند والمستعمرات الآسيوية تأثرت بانهيار أسعار المواد الخام.
أمريكا اللاتينية: الاقتصادات الزراعية انهارت مع سقوط أسعار البن والنحاس والقمح. دول عديدة تخلفت عن سداد ديونها، وصعدت أنظمة سلطوية مثل حكم فارغاس في البرازيل.
- خصم حصري
2.000,00 $السعر الأصلي هو: 2.000,00 $.1.250,00 $السعر الحالي هو: 1.250,00 $. - خصم حصري
800,00 $السعر الأصلي هو: 800,00 $.500,00 $السعر الحالي هو: 500,00 $. - خصم حصري
1.300,00 $السعر الأصلي هو: 1.300,00 $.800,00 $السعر الحالي هو: 800,00 $.
التأثيرات الاجتماعية والثقافية

الكساد لم يكن مجرد أرقام:
الملايين فقدوا بيوتهم وأعمالهم.
صور مثل “الأم المهاجرة” للمصورة دورثيا لانج جسدت المعاناة الإنسانية.
الأغنية الشهيرة “Brother, Can You Spare a Dime?” تحولت إلى نشيد العاطلين.
الأدب والفن وثّقا المأساة، كما في رواية “عناقيد الغضب” لستينبك.
الدروس المستفادة: من الكساد الكبير

الإيجابيات
ظهور دور الدولة كمنقذ اقتصادي، بدلًا من ترك الأسواق بلا تدخل.
إصلاحات هيكلية: إنشاء هيئة الأوراق المالية (SEC)، وقانون جلاس-ستيجل لفصل البنوك التجارية عن الاستثمارية.
بزوغ الفكر الكينزي الذي دعا إلى زيادة الإنفاق الحكومي في أوقات الركود.
تأسيس مؤسسات دولية بعد الحرب مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتجنب تكرار الكارثة.
السلبيات
معاناة إنسانية هائلة: بطالة، فقر، جوع، انتحار، وأطفال بلا تعليم.
صعود أنظمة شمولية كالفاشية والنازية نتيجة اليأس الاقتصادي.
عقد كامل ضائع من التنمية الاقتصادية.
انعدام الثقة في الرأسمالية والديمقراطية لفترة طويلة.
أبرز الاقتباسات حول الكساد الكبير
الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يحفِّز لبداية مرحلة التعافي :

الرئيس الأمريكي هربرت هوفر يعلن الاستسلام أمام الأزمة:
وزير الخزانة الأمريكي أندرو ميلون وقت أزمة الكساد الكبير يقدم نصيحته للرئيس هوفر:

جون ماينارد كينز الاقتصادي البريطاني الأشهر محللًا الأزمة ويدعو للتوسع في الإنفاق الحكومي:

وارن بافيت يستشهد بأزمة الكساد الكبير

يمكنك الإطلاع أيضًا على : النصائح الذهبية لوارن بافيت.
الكساد الكبير درس قاسٍ وعبرة
الكساد الكبير كان أكثر من مجرد أزمة اقتصادية، بل نقطة تحول في مسار القرن العشرين. لقد بيّن أن الأسواق وحدها غير قادرة على حماية الشعوب، وأن تدخل الدولة أحيانًا يصبح ضرورة. كما كشف هشاشة النظام المالي العالمي وأهمية التعاون الدولي.
لقد شكّل الكساد الكبير عقلية قادة العالم لاحقًا، فحين اندلعت أزمة 2008 أو أزمة كورونا، سارع صناع القرار لضخ السيولة وتجنب أخطاء الثلاثينات. يظل الكساد الكبير درسًا خالدًا: أن الخوف يمكن أن يشل الأمم، لكن الأمل والفعل الإيجابي قادران على إنقاذها. وكما قال روزفلت: “الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه.”
الكساد الكبير هو أعنف أزمة اقتصادية شهدها العالم في القرن العشرين، بدأ بانهيار بورصة وول ستريت عام 1929 واستمر حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، وأدى إلى بطالة وفقر غير مسبوقين.
الأسباب متعددة، أهمها: المضاربة المفرطة في البورصة، فائض الإنتاج الصناعي، التوزيع غير العادل للثروة، التوسع في القروض والائتمان، وسياسات نقدية غير مرنة كقاعدة الذهب.
بدأ التعافي مع وصول الرئيس فرانكلين روزفلت إلى الحكم عام 1933 وإطلاقه برنامج الصفقة الجديدة (New Deal)، لكن الانتهاء الكامل كان مع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية عام 1941.
الأزمة لم تقتصر على أمريكا، بل ضربت أوروبا، آسيا، وأمريكا اللاتينية. أدت إلى انهيار التجارة الدولية، صعود أنظمة شمولية مثل النازية والفاشية، وغيرت مسار الاقتصاد والسياسة العالمية.
قبل أن تستثمر في عملات الميم، اكتشف المخاطر الحقيقية من...
تحليل شامل يكشف كيف تؤثر قرارات أوبك+ بشكل مباشر على...
الكساد الكبير (1929–1939) كان أعنف أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث....
إدارة الضغط النفسي في التداول تبدأ بخطة مسبقة وحدود مخاطرة...